المقدمة
الحمد لله القاهر فوق عباده، المهيمن العزيز الجبار الذي يمهل ولا يهمل، استخلف الإنسان في الأرض لينظر كيف يعملون، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب وآخرها القرآن فيه تفصيل كل شيء؛ ليسود الأمن والأمان وينتهي التسلط والظلم والقهر والطغيان، وصلوات الله وسلامه على من بعثه الله رحمة للعالمين، فجاءنا بالهدى والنور، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها،لا يزيغ عنها إلا هالك - مَنْ هَذَّبَ وَعَلَّمَ - محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله عن أصحابه الراشدين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن اليمن - وهي في أول خطوات ثورتها ضد الطغاة والمستكبرين - تنشد الحرية والاستقلال إذا بها تفاجأ بعدوان غاشم ظالم طاغٍ يتزعمه الشيطان الأكبر، أمريكا وربيبتها إسرائيل وتنظم إليهما بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأوربية وقواعدهم في المنطقة العربية - التي تملك أكبر ثروة نفطية وهبها الله للإسلام والمسلمين والمستضعفين - ما يُسمى بالسعودية وبقية الأعراب من دول النفط في الخليج كالإمارات وغيرهم من الدول العربية التي باعت نفسها بالدولار تحت شعار التحالف العربي ضد شعب ودولة اليمن العربي المسلم وباسم التحالف العربي، ورضي الله عن السيد حسن نصر الله القائل: إن لم يكن اليمنيون هم العرب؟! فمن العرب، فشن هذا التحالف الفاجر الظالم حرباً طاغوتية كونية في ليلة السادس والعشرين من شهر مارس سنة 2015م، أشرس هجمة عرفها التاريخ المعاصر من الجو والبر والبحر، وحصار شامل من جميع الجهات بطريقة همجية وحشية شيطانية لم يسبق ولم يُعرف لها نظير، استخدمت فيها كل الأسلحة المحرمة دولياً على هذا الشعب العربي اليمني المسلم بدون ذنب اقترفه أو عدوان شنه على أحد من دول العدوان، إنها حربٌ طاغوتية خارقة لكل الأعراف الإنسانية والقوانين والمواثيق الدولية.
وقد ظلَّت اليمن في دهشة أربعين يوماً، منتظرة صحوة الضمير الإنساني من دول العالم أو دول الجوار التي تتزعم العدوان وتنفق كل ما لديها من ثروة الأمة منذ ظهور النفط في المناطق اليمنية المحتلة من قبل هذه العصابة نفسها التي اجتمعت على شبه الجزيرة العربية من فلسطين حتى تخوم الأرض اليمنية، وهي الآن بتحالفها الجديد القديم تريد الاستيلاء على ما تبقى من الأرض اليمنية، تدور حول جميع جغرافيتها في برها وبحرها وجزرها، وما صراعهم على سقطرى منك اليوم ببعيد.
من أجل ذلك شمل هذا العدوان الظالم الغاشم كل شيء بدون استثناء، وتم التخطيط له في دهاليز الشيطان الأكبر (أمريكا) حيث أُعلنت الحرب من هناك، وما زالت هذه الحرب مستمرة لا تتوقف ساعة واحدة من ليلٍ أو نهار، لم تترك شبراً واحداً من البر، أو البحر، أو الجو، أو الجزر، أو السهل، أو الجبل، أو الصحراء إلا وأتت عليها، وقد استهدف هذا العدوان الغاشم مختلف جوانب الحياة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، بما فيها المنشآت القضائية ومساكن القضاة، والمدارس، والمساجد، والمجمعات الحكومية، والمصانع، والمصالح العامة والخاصة، والمباني السكنية على رؤوس ساكنيها، والمستشفيات على رؤوس نزلائها، والطرق والجسور، والمناطق الأثرية، ومقومات البنية الاقتصادية، والهيئات والمؤسسات، ومشاريع المياه ومزارع المواطنين ومناحلهم،والصيادون وقواربهم، ومساكن الصيادين المستضعفين، وناقلات المحروقات، وناقلات المواد الغذائية والإغاثية، والأسواق المكتظة بالسكان، وقاعات الأفراح والأتراح، والأحياء والأموات والشجر والحجر، والإنسان والحيوان والرجال والنساء والأطفال، وحتى البدو الرحل في الصحراء، ناهيك عن استهداف الشخصيات بما فيها رؤساء وقادة البلاد الذين تتوفر لهم الحصانة والمكانة طبقاً للقوانين والأعراف الدولية.
فقد أباحت وأهدرت دول العدوان دماء الجميع، كما استباحت بعض المحافظات وأعلنتها مناطق عسكرية وعمدت إلى تدميرها تدميراً شاملاً، ومن وسائل حربها، بث الأموال الكثيرة للمرتزقة والعملاء، بشراء كثير من الأراضي وبنائها بقصد التغيير الديمغرافي كما فعلت في فلسطين، وكما فعلت في نجد والحجاز، ولا يزال جميع المواطنين الذين تحت سيطرة هذه السلطة الطاغوتية يعيشون في الرعب الشديد، تمارس بحقهم أبشع الجرائم، وَهَّجرت الكثير منهم قسراً كما تفعله اليوم في جيزان وعسير، وما تفعله أيضاً في المحافظات الشرقية والجنوبية المحتلة من أرض اليمن، ناهيك عن انتهاك الأعراض والقتل والسحل والاغتيالات التي تمارس في المناطق المحتلة يومياً، إضافة إلى الخوف والذعر والتعسف ونهب المتاجر وممتلكات السكان بلا خوفٍ من الله، ولا حياء أو خجل من الناس، طالما والشيطان الأكبر (أمريكا، ومن قبله بريطانيا) رأس الشر تشاركهم وتحميهم، وتذكرنا هذه الجرائم بالمجازر والمذابح التي حلَّت بالهنود الحمر في أمريكا، ولا تزال مظلمتهم قائمة حتى الآن، وقد تعودت هذه العصابات الدولية، والدول الاستعمارية على أخذ كل سفينة غصبا، ومع ذلك فهي تدعي بأنها حامية حقوق الإنسان وحرياته زوراً وبهتاناً، كما أن هذه القوى الشريرة تسيطر على ما يسمى بمجلس الأمن والأمم المتحدة، وتمارس من خلاله كل أعمال الإرهاب فيكون الحلال ما أحلَّته، والحرام ما حرَّمته.
وهذا العدوان لا يمكن أن يزول إلا بقوة الإيمان، وقوة الإرادة، وعدم الرضوخ لما تمليه وتنشره هذه القوى الطاغوتية الاستعمارية سواءً بأسلحتها الفتاكة أو عبر قنواتها الإعلامية الفاجرة،الكاذبة، الأفاكة والتي تبث الإشاعات والأكاذيب على مدار الساعة، ولا تخجل من كثرة الكذب بعد افتضاح أمرها فضائح يندى لها جبين الإنسانية.
ويجب الإعداد الكافي بكل المستطاع لمواجهة هذا الطغيان أخذاً بما جاء في قوله تعالى:
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
وعملاً بالقاعدة القائلة " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة "، وقد أصبح من الضرورة بمكان مقاومة هذا العدوان، وصد هذا الطغيان،خصوصاً وهو ينطلق من مصالح مدروسة وهي الاستيلاء على كل ثروات اليمن التي لم يستفد منها أهلها بشيء حتى اليوم، وهكذا العدوان قد اتضح أمره، وافتضح سره وأنه أوهى من بيت العنكبوت أمام ضربات وتنكيل رجال الرجال المجاهدين المؤمنين الصادقين، فقد رأينا المعتدين يفرون أمام أبطالنا فرار الجرذان (الفئران)، وفرار الثعالب من الأسود.
وبما أن هذا العدوان لا يمتلك أي قيم ولا أخلاق باستهدافه كل شيء في هذه البلاد فقد توج عدوانه باستهداف مباني القضاء، وشخصيات القضاة، ونتج عن ذلك أكثر من مائة شهيد من منتسبي السلطة القضائية وما يقارب من خمسين منشأة قضائية مدمَّرة ومتضررة، رغم ما لهذه الجهات من حصانة ومكانة بإجماع العالم، فقد أصدرنا كتاباً مصوراً عن هذا الاستهداف كنموذج ولم يكن حصراً شاملاً نظراً لأن بعض هذه المباني لا تزال تحت سيطرة العدوان.
وهذا الكتاب الثاني الذي نحن بصدده، يشتمل على بعض النماذج من الجرائم على الإنسان والبنيان وهو كتاب مصور يحتوي على وصف الجريمة والتوصيف القانوني لها، وقد حرصنا على تبسيطه وتبويبه وتوصيفه للجرائم التي يصعب احصاؤها وعدها، وهي تمثل بمجموعها نموذجاً واضحاً من جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة ، وجرائم عدوان؛ لكي يكون في ذلك تقريب للهيئات المحلية والدولية والجهات القانونية والقضائية، وإسهاماً من وزارة العدل في زيادة الوعي المجتمعي للأمة، ومعرفة العدوان وأهدافه، ومن خلال الاطلاع سيجد المطلع نبذة ميسرة عن كل ما أشرنا إليه، ونسأل الله تعالى أن يجعل تدمير المعتدين المستعمرين في تدبيرهم، وأن يرد كيدهم في نحورهم، ولا شك أن دولة تغزو اليمن سيكون ذلك الغزو خزياً وعاراً عليها، ونهاية لتسلطها وطغيانها، والله من ورائهم محيط، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وقد أظهر الله آياته في مصير الغزاة الأوائل مثل البرتغال والأسبان والأتراك والإنجليز وغيرهم وكذلك سيكون مصير الغزاة المعتدين الجدد.
وأخيراً نشكر كل من أسهم في الإعداد والإخراج لهذا الجهد المتواضع من العاملين المتميزين الصامدين الصابرين المحتسبين، من كل قطاعات الوزارة عموماً، ومركز معلومات القضاء والإدارة العامة للشؤون القانونية بالوزارة خصوصاً، وبالتعاون مع المركز القانوني للحقوق والتنمية.
و إذا كان لنا تحية نهديها، فهي إلى سيد المجاهدين قائد الثورة اليمنية المباركة السيد/عبدالملك بدر الدين الحوثي القائد النموذجي في العصر الحديث، وإلى فخامة الأخ/رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي محمد حسين المشاط، وإلى رئيس الشهداء الأخ/ صالح علي الصماد "رحمة الله تغشاه" وإلى رجال الرجال في جبهات العزة والكرامة الصامدين المجاهدين من أبناء الجيش واللجان الشعبية المرابطين في كل سهل وجبل، وفي عمق الصحاري والقفار وفي كل الثغور، والتحية موصولة لكل رجال الأمن المتواجدين، في القرى والعزل والمدن والحارات والأحياء وفي كل ربوع اليمن، ونحمد الله على نعمة الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان، ولا نامت أعين الجبناء والخونة وعبدة الريال، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
الأربعاء 8 رمضان المبارك 1439هــ الموافق 23/5/2018م
القاضي/ أحمد عبدالله عقبات
|